فصل: رابعا: قاعدة البدل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل إلى علوم القرآن الكريم



.الرأي الثالث: موقف التوسط:

يستفاد من كلام بعض العلماء أنه ليس من الضروري كتابة القرآن على الرسوم الأولى لكتابته، وإن ذلك لا يكون على إطلاقه، لئلا يؤدي إلى دروس العلم.
ولما نقل الزركشي في البرهان ما قاله الإمام أحمد في تحريم مخالفة خط مصحف عثمان في ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك عقّب على ذلك بقوله:
(قلت: وكان هذا في الصدر الأول، والعلم حي غض، وأما الآن فلا يخشى الإلباس، ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة، لئلا يوقع في تغيير من الجهال، ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه لئلا يؤدي إلى دروس العلم، وشيء أحكمته القدماء لا يترك مراعاته لجهل الجاهلين).
ويستنتج من هذا النص ما يلي:
الأمر الأول: إباحة كتابة القرآن بالكتابة الإملائية الموافقة لقواعد اللغة، وذلك تيسيرا لقراءة القرآن، وتمكينا من التلاوة السليمة، لأن الرسم العثماني يتطلب قدرة على قراءة الرسم وحفظا للقرآن.
الأمر الثاني: الحفاظ على الرسم العثماني، كرسم أصيل للنص القرآني، لأن ذلك الرسم يحظى بمكانة متميزة في النفوس.
ويمكننا أن نقرر في موضوع رسم القرآن ما يلي:
أولا: استبعاد فكرة الخطأ في الرسم العثماني:
وهذا منطلق أساسي لدراسة فكرة الرسم القرآني، فلا يمكن التسليم بما ذهب إليه ابن خلدون من إثبات الخطأ الإملائي في الرسم، لعدم قيام الدليل على ذلك، ولاستحالة قبول الصحابة الأخطاء الإملائية في رسم المصاحف العثمانية، ولو افترضنا أن خطأ ما وقع اكتشافه بعد الكتابة لكان من اليسير التنبيه عليه وإصلاحه، وإن قبول الصحابة والتابعين وأجيال العلماء التي جاءت بعدهم بالرسم العثماني دليل على انعدام فكرة الخطأ، والتسليم بخصوصية الرسم القرآني.
وردّ العلماء على ما أثاره البعض من شبهات، وضعفوا ما روي عن عثمان عند ما عرض عليه القرآن أنه قال: (أحسنتم وأجملتم إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها)، وقال الألوسي عن هذه الرواية أن ذلك لم يصح عن عثمان أصلا، وكيف يجوز من الناحية العقلية أن يقول عثمان عن مصحفه الذي اعتمده وأشرف على جمعه وكتابته (إن فيه لحنا) وإذا ثبت اللحن فلماذا لم يكلف عثمان اللجنة المؤتمنة على الكتابة والجمع والضبط أن تقوم بإصلاح اللحن؟
ثانيا: ضرورة الحفاظ على الرسم العثماني:
وهذا أمر بديهي، فالرسم العثماني هو الرسم الأصيل للقرآن، وهو الرسم الذي وقع اعتماده وإقراره، وأجمعت الأمة على قبوله، وهو الأصل في الكتابة القرآنية، وما عداه من إشكال الرسوم والخطوط لا تعتبر رسوما أصيلة في كتابة القرآن.
ثالثا: جواز كتابة الآيات بالخطوط المتعارف عليها:
وذلك للتيسير على الأمة، لكي يتمكن الناس من قراءة القرآن بطريقة سليمة، ويتصور ذلك في الكتب المدرسية حيث تتطلب المصلحة أن تكون الكتابة القرآنية مطابقة للنطق القرآني، وموافقة لقواعد الإملاء، وجواز الكتابة بالرسوم والقواعد المعتادة لا يقلل من أهمية تعويد الناس على القراءة بالرسم العثماني، لكي يكون هذا الرسم هو الأساس في المصاحف.
ولا شك أن الأمر يتعلق بالمصلحة، فإذا تأكدت المصلحة في كتابة الآيات وفقا للقواعد الإملائية وجب الأخذ بالمصلحة، لكي يكون النطق القرآني سليما وصحيحا.
وبهذا نفرق بين المصاحف التي يجب أن تحافظ على الرسم العثماني الذي هو الأصل في الكتابة القرآنية وكتابة الآيات القرآنية في إطار الكتب المدرسية أو في إطار الاستشهاد بها، مما لا يعتبر من المصاحف.
وفي جميع الأحوال لا يجوز التساهل في أمر الرسم العثماني في المصاحف المعتمدة، كتراث قرآني عظيم الفائدة واضح الدلالة على تميز المصاحف بخطوطها ورسومها عن الكتابات الأخرى.

.مزايا الرسم القرآني:

ذكر الزرقاني في كتابه (مناهل العرفان) فوائد الرسم ومزاياه بما يلي:
الفائدة الأولى: مراعاة القراءات المتنوعة في الرسم، وذلك عن طريق وضع قاعدة للرسم القرآني يمكن بفضلها قراءة الكلمة وفقا للقراءتين معا... وهذا المنهج يوحد الرسم القرآني، ويجعله قابلا للقراءات المتعددة.
الفائدة الثانية: إفادة المعاني المختلفة، وذلك عن طريق الإشارة الإملائية إلى التفاوت بين المعاني في الكلمات التي تنطق بطريقة متماثلة، بحيث يدرك القارئ المراد من خلال الإشارة الإملائية إلى المعنى.
الفائدة الثالثة: الدلالة على بعض المعاني الخفية، كما في كتابة (أيد) في قوله تعالى: {والسّماء بنيناها بأييد}. وقد كتبت بزيادة الياء للإيماء إلى تعظيم قوة الله في بناء السماء.
الفائدة الرابعة: الدلالة على أصل الحركة، كما في قوله تعالى: {سأوريكم دار الفاسقين}. والأصل أن تكتب سأريكم، وكذلك الأمر في لفظ الصلاة والزكاة، حيث كتبت بالواو، لأن الألف منقلبة عن الواو.
الفائدة الخامسة: مراعاة بعض اللغات الفصيحة، وذلك عن طريق الإشارة إلى بعض لغات العرب في حذف بعض الأحرف.
الفائدة السادسة: الاعتماد في القرآن على الحفظ وليس على الكتابة، لأن الرسم العثماني لا يطابق النطق، ويحتاج القارئ إلى حفظ القرآن لكي يتمكن من القراءة الصحيحة.
ولا حدود لمثل هذه الاستنتاجات واستكشاف فوائد الرسم القرآني، فكل من نظر في الرسم العثماني حاول أن يستخرج جانبا من جوانب الفائدة المحققة منه، ومن الواضح أن بعض الفوائد حقيقة وبعضها الآخر متكلفة، ولا يمكن أن تكون الحكمة من عدم مطابقة الرسم العثماني للنطق زيادة الاعتماد على الحفظ، والتقليل من أهمية الاعتماد على الرسم، لأن الحكمة باعثة على الفعل بخلاف النتيجة فهي لاحقة ومتأخرة، ولا شك أن الرسم القرآني بصورته العثمانية أدى إلى زيادة الاعتماد على الحفظ وشجع عليه، لأن من الصعب على غير حفظة القرآن والمتقنين لتلاوته أن يقرءوه قراءة سليمة.
قال ابن درستويه:
خطان لا يقاس عليهما: خط المصحف، وخط تقطيع العروض.
وقال أبو البقاء في كتاب اللباب:
(ذهب جماعة من أهل اللغة إلى كتابة الكلمة على لفظها إلا في خط المصحف، فإنهم اتبعوا في ذلك ما وجدوه في الإمام، والعمل على الأول).
ومما لا شك فيه أن الرسم القرآني له خصوصية ذات صفة معنوية، وهي غير محكومة بمعايير مادية، ويمكن تلمس بعض آثارها في مجال القراءة المتعددة للألفاظ، ومراعاة القراءات واللهجات العربية وسعة الدلالات في مجال الزيادة والنقصان، إلا أن الهدف الأسمى والأعلى لا يمكن إدراكه بالمعايير، وإنما يمكن إدراكه بالفطرة، وبما يشعر به قارئ القرآن في المصحف العثماني من تميز الرسم القرآني، وخصوصيته الشكلية والرمزية وتعبيره الأدق عن إعجاز بياني عظيم الوضوح في اللفظة العربية والرسم المعبر عن ذلك، حتى أن قارئ القرآن يشعر بقدسية الرسم القرآني وهيبة ذلك الرسم، ولا يشعر بمثل ذلك في غياب ذلك الرسم المميز والمعبر.
إن الرسم القرآني أصبح جزءا من ذاتية القرآن، وهو مظهر من مظاهر القدسية التي يشعر بها القارئ، فكلمة (الرحمن والصلاة، والزكوة، وحم، والم، وطه، ويس...) كل ذلك يعبر عن قدسية ويجسد مشاعر دينية ويغذي في النفس شعورا بالأمن والراحة، ولو كتبت هذه الكلمات وفق القاعدة الإملائية لفقدت الكثير من دلالاتها، ولهذا لا نملك إلا أن نعترف بخصوصية لا محدودة للرسم العثماني، مما يؤكد التوقيف في بعض معالم ذلك الرسم، إذا لم يكن توقيفيا كليا وكاملا فعلى الأقل هو توقيف جزئي في بعض المفردات لكي تكون أكثر ملاءمة للتعبير القرآني ولرسمه المميز.
وأشار بعض أعلام التصوف من أهل الفهم لعظمة الدلالات في الرسم القرآني، ولما توحي به تلك الأحرف الزائدة والناقصة والموصولة والمفصولة والمبدلة والمهموزة في إشارات لا يدركها العقل ولا تحكمها معاييره، وإنما يدركها أرباب الفهم من أصحاب القلوب اليقظة الذين يفقهون ما لا يفقه غيرهم من حقائق القرآن، ويفهمون ما لا يفهم غيرهم من حقائق الدين.

.قواعد رسم القرآن:

قال الزركشي في البرهان:
واعلم أن الخط جرى على وجوه، فيها ما زيد عليه على اللفظ، ومنها ما كتب على لفظه، وذلك لحكم خفية وأسرار بهية، تصدى لها أبو العباس المراكشي الشهير بابن البناء في كتابه: (عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل)، وبين أن هذه الأحرف إنما اختلف حالها في الخط بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها.
وحدد علماء القرآن قواعد الرسم القرآني بما يلي:

.أولا: قاعدة الحذف:

1- تحذف الألف من ياء النداء: يأيها الناس، وهاء التنبيه: هؤلاء، وبعد لام: خلئف، وبين لامين: الضللة، ومن كل علم زائد على ثلاثة: إبراهيم، ومن كل مثنى وجمع تصحيح لمذكر أو مؤنث: اللعنون، ومن كل جمع على وزن مفاعل المسجد واليتمى، ومن كل عدد كثلث ومن كل ما اجتمع فيه ألفان كقوله آشفقتم، آنذرتم.
2- وتحذف الياء من كل منقوص منون: باغ وعاد، وفي حال التكرار:
نحو، والحواريّين، وفي قوله: {وَأَطِيعُونِ}، {وَاتَّقُونِ}، {وَخافُونِ}.
3- وتحذف الواو في حال التكرار، في قوله: فاءو.
4- وتحذف اللام مدغمة في مثلها في قوله: {وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى}، و:{الَّذِي}، {اللَّاتَ}.
5- وأحيانا تحذف هذه الأحرف ولا تدخل ضمن قاعدة، نحو قوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ}، {ذُرِّيَّةً ضِعافاً}، {الدَّاعِ إِذا دَعانِ}، {وَمَنِ اتَّبَعَنِ}، {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ}، {وَقَدْ هَدانِ}، {نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ}، {وَيَدْعُ الْإِنْسانُ}، {وَيَمْحُ اللَّهُ}، {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ}، {سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ}.
قال المراكشي: السر في حذفها من هذه الأربعة التنبيه على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل وشدة وقوع الفعل المنفعل المتأثر به في الوجود.

.ثانيا: قاعدة الزيادة:

- تزاد الألف بعد الواو في آخر كل اسم مجموع، بنو إسرائيل، ملاقوا ربهم، كما تزاد بعد الهمزة المرسومة واوا، وفي مائة ومائتين، وفي قوله: {الظُّنُونَا}، {والرَّسُولَا}، {والسَّبِيلَا}.
- تزاد الواو للدلالة على ظهور معنى الكلمة في الوجود: {سأوريكم آيتى}.
- تزاد الياء لاختصاص ملكوتي باطن، كما قوله: {من نبإى المرسلين}، {من تلقائ نفسى}.
وجاء زيادة الياء في قوله: والسّماء وبنيناها بأييد للتفريق بين الأيد وهو القوة الإلهية في الخلق، والأيدي، جمع يد.

.ثالثا: قاعدة الهمز:

تكتب الهمزة الساكنة بحرف حركة ما قبلها، (ائذن) (اؤتمن)، أما الهمزة المتحركة فإن كانت أولا كتبت بالألف، نحو أيوب، أولوا، وإن كانت وسطا كتبت بحرف الحركة نحو سأل سئل نقرؤه، وإن كانت آخرا كتبت بحسب حرف حركة ما قبل الآخر نحو سبأ، شاطئ، لؤلؤ.

.رابعا: قاعدة البدل:

تبدل الألف واوا للتفخيم: كالصلوة، والزكوة، والحيوة، والربوا، والعدوة، وتبدل ياء إذا كانت الألف منقلبة عن ياء كما في قوله: {يتوفيكم}، {يا حسرتى}، {يا أسفى}، وتبدل الألف ياء في الألفاظ التالية: إلى، على، أنى، متى، بلى، حتى، لدى.
وتكتب نون التوكيد الخفيفة ألفا في قوله: {لنسفعا}، {ويكونا}، {وإذا}، وتمد التاء في كلمة الرحمة، ووقع ذلك في سبعة مواضع في القرآن: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، {فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ}، {أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ}، {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ}، {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ}، {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، وكذلك مدت التاء في كلمت النعمة في أحد عشر موضعا: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها}، وجاءت مقبوضة في مواطن أخرى. وجاءت التاء ممدودة في بعض الألفاظ كما جاءت مقبوضة، وهذه الألفاظ هي: {كلمة}، {سنة}، {فطرة}، {قوة}، {معصية}، {لعنة}، {شجرة}، {جنة}، {ابنة}، {امرأة}.
قال تعالى:
{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى} [الأعراف: 137].
{فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38].
{فِطْرَتَ اللَّهِ} [الروم: 30].
{قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القصص: 9].
{إنّ شجرت الزّقّوم} [الدخان: 43].
{وجنات نعيم} [الواقعة: 89].
{ومعصيت الرّسول} [المجادلة: 8].
{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ} [التحريم: 12].
{امْرَأَتُ عِمْرانَ} [آل عمران: 35].
{امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9].
{امْرَأَتُ الْعَزِيزِ} [يوسف: 30].
وحاول الزركشي أن يعلل هذا الإبدال، في كل لفظة، فالألف أبدلت واوا في أصول الدين المطردة، تفخيما وتعظيما، كالصلاة والزكاة، وهما عماد الدين، والحياة وهي عماد البقاء، وترك الربا عماد الأمان، ومدت التاء في (السنة) في المواضع التي تدل على الإهلاك والانتقام: {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}، {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ}، {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا}، ومدت التاء في الجنة وجنات نعيم لكونها بمعنى فعل التنعم بالنعيم واقترانها بالروح والريحان، ومدت التاء أيضا في (امرأة): {امْرَأَتُ عِمْرانَ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ}، للتنبيه على فعل التبعل والصحبة وشدة المواصلة والمخالطة والائتلاف.